مفاهيم الالتزام بالدين...رؤية واقعية..
الحديث عن مفهوم الالتزام حديث مهم وحري بالعرض والنقاش...
قد لا أكون أهلا للحديث عنه..إنما هي مجموعة من الملاحظات الملموسة –إن صح التعبير- لمفاهيم أوجدت في نفوس المسلمين عن الالتزام... فأصبح المسلمون فيها على طرفي نقيض...كما سيأتي في تفصيل تلك المفاهيم...
المفهوم الأول للالتزام:
وقد يكون المفهوم الغالب عند المسلمين..يعتقد فيه من يؤمن به..أن الالتزام إنما هو التزام الباطن وحسب...وأن هذا الالتزام الباطني هو الأهم و هو المطلوب.. وصورته كأن يقول صاحبه:
أؤمن بربي..أخافه..أتوكل عليه...أدعوه..وأرجوه...وأؤمن بالجنة والنار والحساب...ولكني في المقابل..قد أتهاون في الصلاة..في الزكاة.. في العدل..في طلب الرزق الحلال...وأتهاون في اقتراف الصغائر..
إيماني وحب الله الذي أجده في قلبي أعظم وأهم ..والالتزام في نظري هو التزام القلب... والله عز وجل لا ينظر إلى صورتي وإنما إلى قلبي...
لنترك النقاش حول المفهوم الأول بعد أن نعرض المفهوم الثاني...
المفهوم الثاني للالتزام:
يغفل فيه صاحبه عن تجديد وتعاهد العبادات القلبية..وخاصة النية...فتجد صاحبه يمارس كل ما هو مظهر من مظاهر الالتزام الظاهري من عبادات الجوارح..(خاصة المسنون منها)..فالتزامه هنا التزام الظاهر..
يقصر ثوبه..ويعفي لحيته..ويستاك ..وفي المقابل هو يتهاون في الصلاة ويظلم زوجته ويرى نفسه أفضل عند الله ممن أسبل ثوبه وحلق لحيته وإن كان الآخر مصليا بارا بوالديه...فلا يسلم عليه ويتجنب مخالطته وينعته دوما بنعوت الفسق والضلال...
انتهت الصورتان..وانتهى معهما عرض مفاهيم الالتزام..وبقي السؤال:
مالخلل في المفهومين؟؟
إن انعدام الصلة والربط بين التزام الظاهر والتزام الباطن عند كثير من المسلمين..أوجد ذلك الخلل في مفهوم الالتزام...
ولا يخفى على ذي بصيرة..أنه لا يمكن بحال من الأحوال فصل مفهوم التزام الباطن عن التزام الظاهر فكلاهما مكملين ومحصلتين لبعضهما...
إن الله ينظر إلى قلوبكم...نعم وكذلك ينظر إلى أعمالنا..فالعمل معطوف على القلب..
فالقلب المؤمن..نتيجته عمل صالح
والعمل الصالح لا يخرج إلا عن قلب مؤمن...
وعندما نجهل حقيقة أن القلب الصالح والمؤمن حق الإيمان يؤدي بصاحبه إلى تقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه...نكون قد وقعنا فعلا في المفهوم الخاطيء للالتزام بأنه التزام للباطن وحسب...وفي معنى الحديث لا يسرق المؤمن حين يسرق وهو مؤمن...ما يعطي الدليل الواضح على أن المعصية لا تكون إلا حين يضعف الإيمان الذي محله القلب ..وهنا الشاهد..حيث نرى ارتباط الأعمال القلبية بأعمال الجوارح..
والنقطة الثانية:
حين تتحول العبادات إلى عادات..فيفتقر صاحبها إلى تجديد الأعمال القلبية وتجديد الإيمان بالله..والإخلاص له...
حينها سنلحظ..أن الإلتزام ..أصبح التزام الجسد بلا روح..وافتقرت العبادة للروحانية..
وغالبا ما نجد عند من يحملون مثل تلك المفاهيم عن التزام الظاهر.. التهاون في الفرائض على حساب السنن..وتجد منهم التزكية لأنفسهم....وإطلاق التهم والتصنيفات على المسلمين من غيرهم...
والتجرؤ على الفتوى بمجرد الدخول في الالتزام..وللأسف فإن هذا المفهوم هو من أكثر المفاهيم إساءة للالتزام...
لأن البشر ليس لهم سوى الظاهر...
فحين يرون من يقصر ثوبه ويعفي لحيته..ظالما..أو كاذبا..أو غير غاض لبصره..يعكس لديهم أن هذا هو الالتزام وهؤلاء هم أصحابه...
والخلاصة...
أن الإلتزام هو التزام الباطن الذي ينعكس بدوره على الظاهر...
وما أحب أن أشير إليه أيضا..أن هذا الحديث عن فئتين من الملتزمين حديث خاص وليس عام..فكثيرة هي النماذج الطيبة الرائدة لمن نحسبهم والله حسيبهم من الملتزمين..أسأل الله لهم الثبات على صراطه المستقيم..
وكما بدأت ملاحظاتي أنهيها بقول...
ربما قد لا أكون وفقت في طرح تلك النقاط..إنما هو اجتهاد لواقع ألحظه..أرجو أن أنال به ولو أجر الاجتهاد..فما كان صوابا فمن الله وحده وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان...وأعتذر جدا عن الإطالة وقد حاولت الاختصار ولكني خشيت أن يخل بتوضيح المفاهيم...فأرجو منكم العذر..