أكبر سوق سيعرفها العالم مستقبلاً، ستكون سوق السعادة.
400 كتاب صدرت في أميركا تدلّك عليها، تمّت ترجمتها فوراً إلى لغات "بؤساء" العالم.. أي اللغات الأوروبيّة.
ضحايا سوق السعادة كثيرون، والغنيمة أكبر من ألاَّ يتنبَّه لها بائعو الصفقات الوهميّة.
إنّها مأساة الدول الغنية، التي حلّت جُلّ مشكلاتها، ووضعت تحت تصرُّف مواطنيها كلّ ما يمكن استهلاكه، ومنحتهم القوانين التي تقيهم وتحميهم، لكنها ما وجدت قانوناً يُجنّبهم التعاسة والكآبة والوحدة. فليس للسعادة قانون ولا منطق ولا ثمن. إنّها تَهب نفسها مَن يعيشها كلّ لحظة كنعمة، مهما صغُرَت.
لا أحتاج إلى قراءة تلك الكتب، لأعرف كيف أكون سعيدة، مذ اقتنعتُ بأنني أحتاج أحياناً إلى ألمي لأبقى إنسانة.. وكاتبة. فالسعداء أُناس لا يحدث لهم شيء يستحقُّ الذِّكر، أو يستحق الكتابة.
ثم ، تعلّمت في صباي درساً في السعادة، أغناني عن كلِّ ما كُتب عنها. حين سمعت أبي، في محاولة فاشلة لإقناع أمي بمزايا القناعة، يشرح لها أنه إن كان في يد المرء رغيف ونظر إلى مَن هو بلا رغيف، سَعِد وقدّر نعمة اللّه حقّ قدرها، أمّا إذا غَدَا هاجسه النظر إلى فوق، حاسداً مَن يضع على طاولته سلّة "كرواسان بالشوكولاتة" لفطور الصباح، فسيشقى، ولن يستطيب ما في يده.
كان كلاهما على حق. أبي الذي كان يتكلّم بحُكم ثقافته اليسارية، وماضيه النضالي، وأمي التي كان هاجسها المستقبل، والتفكير بمنطق الزوجة. في الواقع، ما كانت تقارن وضعه بمن كانوا "فوق"، ولا بالذين كانوا "تحت"، بل فقط بهؤلاء الذين كانوا في الطابق نفسه من سدّة الحُكم، وبدأوا منذ ذلك الحين يبتلعون البلد، أثناء تكليفه، لفصاحته، بكتابة الخُطَب الحماسيّة نيابة عنهم!
بعد ذلك، أدركتُ مع العمر، أنّ السعادة تضيع منّا أثناء لهاثنا بين الطوابق (أحدهم قال: "الصعوبة ليست في السعادة، ولكن في تفادي التعاسة التي يُسبِّبها السعي إليها"). فالذي يأكل "كرواسان" عينه على الذي يأكل في الطابق العلويّ قطعة "جاتو"، والذي يأكل "الجاتو" يحسد الذي يملك مخبزاً لصنع الحلويات، وهذا الأخير لن يسعد بمخبز مادام لم يفتح له فروعاً في أحياء أُخرى، ثمّ في مدن أُخرى.
فكأننا كلّما بلغنا طابقاً، راحت السعادة تسخر منا، وتسبقنا، كما في لعبة الأطفال، إلى الطابق الأعلى، بينما يكفي النظر أحياناً إلى مَن هم "تحتنا" لنسعد. الدليل هذه الإحصائية التي قمت بترجمتها لكم، كما وردت بالفرنسيّة في صيغتها الطريفة.
***
* إن استيقظت هذا الصباح وأنت معافَى، إذن أنت أسعد من مليون شخص سيموتون في الأيام المقبلة.
* إن لم تُعانِ أبداً من الحرب والجوع والعزلة، إذن أنت أسعد بكثير من 500 مليون شخص في العالم.
* إن كان في استطاعتك ممارسة شعائرك الدينية في معبدك، من دون أن تكون مُرغَمَاً على ذلك. ومن دون أن يتمّ إيقافك، أو قتلك، فأنت أسعد بكثير من ثلاثة مليارات شخص في العالم.
* إن كان في برّادك أكل، وعلى جسدك ثوب وفوق رأسك سقف، فأنت إذن أغنى من %75 من سكان الأرض.
* إن كنت تملك حساباً في البنك، أو قليلاً من المال في البيت، إذن أنت واحد من الثمانية في المئة الميسورين في هذا العالم.
* أَمَـا وقد تمكّنت من قراءة هذه الإحصائية، فأنت محظوظ، لأنك لست في عِداد الملياري إنسان، الذين لا يُتقنون القراءة!